يُعتبر أدب الأطفال (ومنه قصص الأطفال القصيرة) فرعاً من الأدب العالميّ وصل أوجه وذروة شهرته في القرن التاسع عشر. وفي حين ينظر البعض إلى أدب الأطفال بصفته أدباً يسعى إلى إمتاع وتسلية الصغار -والكبار في كثير من الأحيان- فإن الآخرين يرون فيه أداة تعليميّة وطريقة تقويم أخلاقيّ للأطفال. ويُعتبر أدب الأطفال مديناً بالفضل للكاتب الإنجليزيّ جون نيوبيري (بالإنجليزية: john newbery) صاحب أول كتاب موجّه للأطفال بهدف تسليتهم وإثراء معلوماتهم وهو بعنون: "كتاب الجيب الجميل" (بالإنجليزية: pretty pocket book) والمنشور عام 1744.[١]
الأسد ملك الغابة والفأر الصّغيريُحكى أن الأسد ملك الغابة وأقوى سكّانها كان ذات يوم نائماً، عندما بدأ فأرٌ صغيرٌ يعيش في الغابة نفسها بالركض حوله والقفز فوقه وإصدار أصوات مزعجة، مما أقلق نوم الأسد ودفعه للاستيقاظ. وعندما قام الأسد من نومه كان غاضباً، فوضع قبضته الضخمة فوق الفأر، وزمجر وفتح فمه ينوي ابتلاع الفأر الصغير بلقمة واحدة.
صاح الفأر عندها بصوت يرتجف من الخوف راجياً أن يعفو الأسد عنه، وقال: "سامحني هذه المرة، فقط هذه المرّة ولا غيرها يا ملك الغابة، وأعدك ألا أعيد فعلتي هذه مجدّداً، وألا أنسى معروفك معي. وكذلك أيها الأسد اللطيف، فمن يعلم؟ فلربما أستطيع ردّ جميلك هذا يوماً ما."
ضحك الأسد من قول الفأر، وتساءل ضاحكاً: "أيّ معروف يمكن أن يقدّمه فأرٌ صغير مثلك لأسد عظيم مثلي؟ وكيف يمكنك مساعدتي وأنا الأسد ملك الغابة وأنت الفأر الصغير الضعيف؟" قرّر الأسدد أن يطلق سراح الفأر لمجرّد أنه قال له ما أضحكه، فرفع قبضته عنه وتركه يمضي في شأنه.
مرّت الأيّام على تلك الحادثة إلى أن استطاع بعض الصيّادين المتجوّلين في الغابة أن يمسكوا بالأسد ويربطوه إلى جذع شجرة. ثم انطلقوا ليحضروا عربة كي ينقلوا الأسد فيها إلى حديقة الحيوانات. وعندما كان الصيادون غائبين يبحثون عن العربة، مرّ الفأر الصغير مصادفة بالشجرة التي كان الأسد مربوطاً بها، ليرى الأسد وقد وقع في مأزق لا يُحسد عليه، فقام الفأر الصغير بقضم الحبال التي استخدمها الصيادون لتثبيت الأسد وأَسره، حتّى قطع تلك الحبال جميعها محرّراً الأسد.
ثم مضى الفأر بعدها متبختراً وهو يقول بكل سعادة: "نعم لقد كنت محقّاً، يستطيع فأرٌ صغيرٌ مساعدة ملك الغابة، فلا يقاس المرء بحجمه، بل بفعله، وكل واحد سيحتاج مساعدة الآخرين يوماً ما، حتى لو كان أقوى منهم."[٢]
قصّة النعجتينيُحكى أن هناك نعجتين كانتا تعيشان في حظيرة صغيرة يمتلكها بعض الفلاحين، وكانت إحدى النعجتين سمينة ومكتنزة اللحم، وصوفها نظيف، وجسمها بحالة صحية ممتازة، أمّا الأخرى فقد كانت على عكس الأولى هزيلة وكثيرة المرض، وصوفها لا يكاد يغطي جسدها الذابل. وكلّما كانت النعجتان تذهبان للرعي في الحقل المجاور للحظيرة، تبدأ النعجة السمينة بمعايرة صديقتها الهزيلة قائلة: "أنظري إلي أيتها النعجة النحيلة المريضة، أصحاب المنزل يحبونني ويتباهون بجمالي وصحّتي أمام القاصي والدّاني، ولقد سمعتهم أكثر من مرّة يقولون إن ثمني يساوي أضعاف ثمنك."
وفي كلّ مرّة تخرج النعجتان للحقل، تعيد النعجة السمينة القول نفسه على النعجة الهزيلة. فتحزن النعجة الهزيلة المسكينة وتشعر بالقهر والإذلال، وتحاول أن تأكل أكثر علّها تصبح كصاحبتها السمينة.
وبقي الحال على ما هو عليه، إلى أن جاء أحد الجزّارين بسكّينه إلى صاحب الحظيرة؛ يريد شراء إحدى النعجتين، فأخذ يقلّب النعجتين ويتفحّص لحمهما وصوفهما، وبالطبع اختار النعجة السمينة، ولم يساوم الجزّار مالك النعجة على سعرها كثيراً، فقد كان عليها من اللحم والصوف ما يجعل الصفقة مجدية بأيّ سعر، ودفع مبلغاً كبيراً من النقود ثمناً للنعجة السمينة.
كانت النعجة السمينة تتابع ما يجري بين مالكها والجزّار، ولمّا رأت أنه قد دفع الثمن وهمّ أن يأخذها، ركضت مسرعة إلى صديقتها النعجة الهزيلة وهي تبكي لشدّة الخوف، ولمّا لقيت صديقتها قالت بصوت مرتجف: "أخبريني يا أختاه، هل تعرفين الرجل صاحب السّكين الذي تفحّصنا قبل قليل ودفع المال لمالكنا؟"
فابتتسمت النعجة الهزيلة، وبدا على ملامحها الانتصار، وقالت للنعجة السمينة بكل ثقة، وبصوت فيه من الشماتة ما فيه: "دعيني وشأني أيتها النعجة السمينة الجميلة، واتركيني أندب حظّي العاثر؛ فأنا كما كنت تقولين عني دائما: نعجة هزيلة مريضة ومدعاة للشفقة، ولتهتمّي الآن لشأنك وتكلّمي الجزّار الذي دفع ثمناً غالياً مقابل الحصول عليك".[٣]
جحا والحماركان يا ماكان في سالف العصر والأوان، كان جحا متّجهاً إلى السوق وهو يركب حماراً صغير الحجم، وكان ابنه يسير إلى جنبه ممسكاً بلجام الحمار ويتبادل الحديث مع أبيه.
وبعد فترة من المسير، مرّوا بمجموعة من الناس يقفون على قارعة الطّريق. وما إن رأوهم حتّى بدؤوا بتقريع جحا ولومه على أنّه يركب على الحمار تاركاً ابنه الصغير يسير على قدميه. فكّر جحا في ما قاله الناس له فاقتنع بصواب رأيهم ونزل عن حماره وجعل ابنه يركب مكانه فوق الحمار، وأمسك اللجام وسارا في طريقهما إلى السوق.
لم يمضِ وقت كبير حتّى لقي جحا وابنه مجموعة نساء يقفن إلى جانب بئر محاذٍ لطريق السوق. أبدت النسوة تعجّباً واندهاشاً لما رأين ورُحن يبدين استغرابهنّ من جحا بقولهنّ: "عجباً لأمرك أيّها الرجل، كيف تقطع الطريق مشياً وأنت العجوز وتترك الفتى يركب الحمار؟". فاقتنع جحا برأيهنّ وركب إلى جانب ابنه فوق الحمار، وأخذا يقطعان الطريق وكلاهما فوق ظهر الحمار.
وصلت الشمس قلب السّماء وصار الحرّ شديداً، وبدأ الحمار بالتباطؤ والمشي بصعوبة بسبب شدّة الحرّ أوّلاً، وثقل وزن حمله ثانياً؛ إذ إن جحا وابنه كانا لا يزالان يركبان على ظهره. ولمّا وصلا باب السّوق حيث اجتمع بعض الناس، بدأ الحضور بتوجيه اللوم لجحا وابنه قائلين: "ألا تشفقان على هذا الحمار المسكين! تركبانه سويّة في مثل هذا القيظ ولا تلاحظان بطء سيره وصعوبة تنقّله!" فنزل جحا وابنه عن الحمار، وتابعا طريقهما مشياً على الأقدام.
في السّوق رأى التجّار والزّبائن جحا وابنه يسيران على أقدامهما وهما يقودان الحمار، فاستغربوا من جحا ولاموه على فعله الأحمق قائلين: "أتمشي على أقدامك في الحرّ، وتترك ابنك يقاسي التعب والعناء، وتترك الحمار يسير مرتاحاً بلا حمل!" وأضاف أحد الحضور ساخراً من جحا: "لم يبق سوى أن تحمل الحمار على ظهرك وتسير به في السوق!" ضحك الجميع في السوق على جحا، فمضى ولسان حاله يقول: "إرضاء الناس غاية لا تدرك".[٤]
الوطنكان ياما كان، كان هناك عصفورتان صغيرتان رقيقتان تعيشان في بقعة من أرض الحجاز قليلة الماء وشديدة الحرّ. وفي أحد الأيّام بينما كانتا تتجاذبان أطراف الحديث وتشكيان لبعضهما صعوبة ظروف الحياة، هبّت عليهما نسمة ريح عليلة آتية من اليمن، فسعدت العصفورتان بهذه النسمة وأخذتا تزقزقان نشوة بالنسيم العليل.
وعندما رأت نسمة الريح العصفورتين الجميلتين تقفان على غصن بسيط من شجرة وحيدة في المنطقة، استغربت النسمة من أمرهما وقالت: "أيتها العصفورتان الجميلتان، عجباً لأمركما، فكيف تقبلان وأنتما بهذا الحسن وهذه الرقّة أن تعيشا في أرض مقفرة كهذه؟ لو شئتما أستطيع حملكما معي وأخذكما إلى اليمن من حيث جئت للتو، فهناك ستجدان مياه عذبة باردة طعمها ألذّ من العسل، وستأكلان حبوباً تكاد لحلاوة طعمها أن تكون سكّراً. وإن أخذتما بنصيحتي، أعدكما أن نكون هناك خلال وقت قصير جدّاً، فما قولكما؟"
ما إن أنهت نسبة الريح كلامها، حتّى قامت العصفورة الأذكى بين الاثنتين وأجابت بفطنة وبداهة: "يا نسمة الريح، أنت ترتحلين كل يوم من مكان إلى مكان، وتنتقلين من أرض إلى أرض، ولذلك فأنت لا تعلمين معنى أن يكون للواحد وطن يحبّه. فارحلي أيّتها النسمة مشكورةً، وصدّقيني نحن لا نبدّل أرضاً ولو كانت جنّة على الأرض بوطننا ولو كانت الأجواء فيه قاسية والطعام فيه شحيح".[٥] المراجعالمقالات المتعلقة بقصص أطفال قصيرة